إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه. logo لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع.    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة
shape
شرح كتاب الآجرومية
135393 مشاهدة print word pdf
line-top
مقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
أيها الإخوة في الله، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسعد الله صباحنا وصباحكم بكل خير، والحمد لله أولا وأخيرا على ما من به من هذا اللقاء المبارك الذي نتدارس فيه كتاب الله ما بين تفسيره، وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيرته عليه الصلاة والسلام، وما يعين على فهم ذلك، ويُقَرِّبُ منه. ومن ذلك ما نحن بصدد الحديث عنه، وهو علم النحو وعلم اللغة العربية، أبدأ بشكر الله سبحانه وتعالى ثانيا وثالثا على ما مَنَّ به من هذا اللقاء المبارك، ثم أثني بشكر الإخوة القائمين على تنظيم هذا اللقاء، وأسأل الله أن يبارك في جهودهم، وأن يجعل هذا اللقاء في موازين حسناتهم.
أيها الإخوة في الله لقد قدم فضيلة أخي الشيخ عبد الله الحكمي ببعض المقدمات التي تجعلني في غنى عن الإعادة لكثير منها، وقد سبق إلى ذلك أيضا سماحة الشيخ الوالد عبد العزيز بن عبد الله بن باز أطال الله في عمره على طاعته، ونفعنا بعلمه، وكما ذكر فضيلة الشيخ إن من يمن طالع هذا اللقاء وهذا البرنامج وهذه الدروس أن يفتتحها سماحته بهذه الكلمة القيمة النافعة.
أيها الإخوة في الله لقد فكرت كثيرا في موضوع هذا اللقاء، وفي الكتاب المناسب لنتدارسه معكم، ورأيت أن هذه المدة القصيرة وهي ثلاثة أسابيع قد لا تعطينا المجال الأرحب لدراسة كتاب من كتب النحو الموسعة، كبعض شروح الألفية وغيرها من الكتب الجامعة النافعة التي حظيت بإقبال طلاب العلم عليها قديما وحديثا، ورأيت أن من أنسب الكتب والمتون التي يمكن أن يدار حولها هذا اللقاء هو متن الآجرومية، وصادف هذا أيضا رغبة ومشورة من الإخوة القائمين على تنظيم هذا اللقاء.
متن الآجرومية في علم النحو من المتون التي -كما ذكر فضيلة الشيخ عبد الله الحكمي - قد حظيت بإقبال طلاب العلم عليها قديما وحديثا، ولعل من أسباب انتشار هذا المتن وتداوله حتى وصل إلينا وهو غض طري ما صاحبه من نية طيبة من صاحبه عند تأليفه، والأعمال بالنيات، كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وأكثر ما يورث العلم البركة، ويهيئه للخلود أن تصاحبه نية صادقة فيه، وإني أستهل هذا اللقاء مثنيا على ما ذكره أخي فضيلة الشيخ، من أنه ينبغي علينا -مدرسين ودارسين- أن نصحب لقاءنا وبرنامجنا هذا ودورتنا هذه بالنية الطيبة الخالصة الصالحة في طلب العلم، واستصحاب هذه النية يهيئ للإنسان أولا القبول، ثم يبارك له في الجهد وفي الوقت وفي السمع وفي البصر، ويعينه على تلقي العلم، وعلى استيعابه بأقل جهد، وأقل وقت.
وهناك أمر آخر ينبغي الإشارة إليه، وهو قد يوجه لطلاب العلم، ولو كان أحد غنيا عن توجيهه لكنتم من أغنى الناس عن ذلك؛ لأنكم لم تدعوا الفراش ولذة النوم وتأتوا إلى هذا المكان إلا وأنتم قد صحبتم هذه النية، وهي النية الصالحة في طلب العلم، وأمر آخر وهو التذكير بأهمية علم اللغة العربية، وعلم النحو، ومثلكم لا يذكر بذلك، فما اجتمعتم هذا الاجتماع -لستم منتظرين امتحانا ولا اختبارا- إلا وأنتم مستشعرون أهمية هذا العلم -علم النحو- وكونه من علوم الآلة التي يحتاج إليها طالب العلم في مبتدأ حياته العلمية.
متن الآجرومية، لا أظن أنني سأقدم لكم فيه جديدا، فقد خُدِمَ قبلي وخدمه كثيرون ما بين كتاب مقروء، وشريط مسموع، فممن اعتنى به من المعاصرين الشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد رحمه الله، وألف فيه شرحا صغيرا أسماه التحفة السنية بشرح المقدمة الآجرومية، ولعل هذا الشرح من الانتشار بحيث يكون معروفا لدى أغلب طلاب العلم.
وثمة شرح آخر وهو لفضيلة الشيخ عبد الرحمن بن محمد بن القاسم رحمه الله، وهو ما أسماه بحاشية الآجرومية، وممن شرحه أيضا فضيلة الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين شرحه في أشرطة متداولة مسموعة، يتداولها طلاب العلم فيما بينهم، وكما قلت لكم: لا أظن أنني سأقدم لكم جديدا في هذا الباب، وإنما مِنْ حظي أن أقف أمامكم لأتذاكر معكم هذا العلم النافع، ولنحظى بالأجر العظيم في استصحاب هذه النية الصادقة الصالحة إن شاء الله، وفي مذاكرة هذا العلم، لعل الله أن يشملنا برحمته وعفوه.
وليس فيه هذه الاصطلاحات، ولماذا خصوا كلام العرب بالاهتمام؟ لأنه الذي نزل به القرآن، فهم بحاجة إلى معرفة مركباته، وكيفية النطق به؛ حتى يفهموا كلام الله، فكلام الله أنزله بهذا اللسان، ونحن مأمورون بأن نفهمه، وبأن نتدبره، وفهمه وتدبره يتوقف على معرفة تلك اللغة التي نزل بها؛ ولأجل ذلك اهتم أهل العلم بحفظ هذه اللغة، بحفظ مفرداتها وبحفظ كيفية النطق بها.

line-bottom